الخميس، 3 مايو 2012

مُفكروا عصور الظلام..ومهرطقي بني يَعرُب


ما إن يأتي الحديث عن عصور الظلام والانحطاط، إلا وتتجه البوصلة مباشرة إلى أوروبا في عصورها الوسطى (عصور الظلام) بحسب ما يذكره المؤرخون الأوربيون أنفسهم، حيث تواطأت فيها الكنائس مع الملوك، وتشكلت كل مظاهر الفساد المالي والاجتماعي من إقطاع وثراء فاحش للطبقة الأرستقراطية في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيل، والأدهى أن ذلك كان باسم (الرب) – بحسب تعبيرهم- يقابل ذلك فقر مدقع واستعباد للعامة، وبيع صكوك الغفران، وإصدار صكوك الحرمان، وإباحة "التخلية" أي التخلي عن أحكام الدين إذا رأت الكنيسة تحقيق مصلحة ظاهرة بحسب رجال الكهنوت الذين يمثلون لاهوت المسيح (بزعمهم) في الأرض إلى حين عودته، والحكم بزندقة المخترعين وتصفيتهم جسديَّاً، إلى غير ذلك مما تفيض به مدونات المؤرخين عن تلك الحقبة الزمنية المظلمة التي وصل عامة الناس فيها إلى درجة من الاحتقان جعلتهم يتلمسون السُبل للإنعتاق من ربقة الإستعباد، فضلاً عن المفكرين والمخترعين الذين حالت الكنيسة دون خروج أفكارهم للنور.
فكيف كانت ردود أفعال المفكرين والعامة؟
نتج عن هذا الاستبداد والطغيان الكنسي أن خرج من المفكرين من كَفَرَ بالكنيسة وبرب الكنيسة، وذهب يبحث عن إلهـ غير إلهـ الكنيسة؛ فظهر الإلحاد بتأليه الطبيعة وعبادتها، فالطبيعة هادئة وجميلة ولا تبطش ولا تُعذِّب بالسلاسل كما تفعل الكنيسة باسم إلـــهها، والطبيعة ليس لها رجال دين ولا كِتَابٌ مقدّس متناقض، ولا تُحرِّم على الناس التفكير والإبداع والاختراع إلى غير ذلك من مظاهر الحريِّة المفقودة المنشودة، ومن أولئك المفكرين دعاة عبادة الطبيعة (روسو، فولتير، ديدرو، كومت، برنتن...) على اختلاف وتباين في رؤاهم، وسُمِّيت تلك الحقبة التي أعقبت ظلام الكنيسة بعصر "التنوير".
نأخذ مثالاً على أحد الملحدين (فولتير)؟.
كان فولتير "الملحد بنظر الكنيسة" أهدى سبيلا من رجال الكنيسة حينما استهجن فكرة عقيدة التثليث وتجسيم الآلهة وأتهمهم بتحريف الدين ابتداءاً من "بولس" الذي طمس المسيحية وحرّفها، وشنَّع المفكِّر فولتير فكرة "الخطيئة الأولى" واعتبرها إهانة للإله إذ كيف يُعَذّب الأجيال لأن أباهم الأول أكل من الشجرة، ثم انتقد فكرة (الخلاص) بقتل الإله لابنه... وغير ذلك من ضروب النقد الموضوعي الذي جعل الكنيسة تُكفّره وتدعوه بالزنديق، وكان يدعوا للفكر الحُر وهو يستحضر اختراعات (جليلو، ونيوتن،... وغيرهم ) الذين قتلت الكنيسة بعضهم واعتقلت البعض وشرَّدت البعض...الخ
مقارنة بين فولتير ومهرطقيّ بني يعرب.
تَعْجَبُ أن الملحدين الذين خرجوا عن تعاليم الكنيسة كان بعضهم يدعو ضمناً إلى عقيدة التوحيد بإسقاط منطقية "التثليث"، ويحقق قول الله (ولا تزر وازرة وزر أخرى) بتشنيع فكرة "الخطيئة الأولى"، إلى غير ذلك من ردود الأفعال العقلانية المنطقية التي كانت تسمو بالعقل عن الشرك وتقوده إلى التوحيد، ولطالما سمعنا مؤخراً عن بعض ملحديّ الغرب الذين ارتضوا الإسلام ديناً بسبب موافقة الإسلام للعقل – بحسب تعبيرهم – أمثال المفكر الفرنسي"روجيه جارودي"، وعالِم الرياضيان "جيفري لانغ"، وعالم الأجنَّة "كيث مور" ... وغيرهم من العلماء والمفكرين.
وعطفاً على ما سبق؛ نُدرك أن الإلحاد في أوروبا جاء كردَّة فعل لانحراف الكنيسة عن الفطرة وعن العقل بتحريف كُتب موسى وعيسى عليهم السلام... فما بال مُهرطقيّ بني يَعُرب؟
- هل فيهم أو منهم عالم أو مخترع أو مفكِّر ملأت كتبه الآفاق، وتداول العالم أفكاره؟
- هل فيهم طبيب متخصص في دقائق فسيولوجيا أجهزة الأجسام الحيوية؟
- هل فيهم فلكيَّ مكتشف لقانونٍ جديد يسبر حركة الكواكب والمجرات؟
- أم أن إلحاد بني يَعرب أضحى كالموضة وسبيلاً للشهرة وخضوع لأجندة مشبوهة؟!
 أيّاً كان السبب الظاهر، فالسبب الرئيس هو الجهل المركَّب، الذي يجهل الجاهل أنه جاهل، ولو سألت أحدهم عن جملة "قطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة" ما أحسن لها جواب.
خاتمة:
قال أعرابيّ ليس ذو علمٍ ولا اختراعات: (البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ...
أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟!).
بلا والله.
آمنت بالله .. مقلِّب القلوب والأبصار، وأسأله أن يثبِّتنا على دينه.

هناك 7 تعليقات:

  1. قرأ ابني الفقرة (قطعيّ الثيوب قطعيّ الدلاله)بالتانيث بمعنى تقطيع الثياب لمسح دلال القهوة
    ان جهل بني يعرب وفهم بعضهم ليس ببعيد من مثل هذا؟؟
    اليوم نحتاج الى هيئة مكافحة الجهل والهرطقة
    ابو عبدالله امتعتنا لك مني ألف تحية وسلام.

    ردحذف
    الردود
    1. الله يمتعك بتمام العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة

      حذف
  2. جميل يابدر جميل هذا الطرح المؤصل والمحكم بالبراهين والشواهد التاريخية
    شذرات من تحولات وتقلبات الانسان
    للحياة سيرورة وللانسان صيرورة
    تتجدد وتتبدل
    ولكن ما نوعية تلك هنا تبقى المعرفة والذات العارفة محل جوهر صعود او هبوط الوعي الانساني
    والادراك العقلي للثوابت الربانية الالهية الظاهرة من خلال البصيرة الحية
    كثيراً مانسمع بالنقل وبالعقل هذه الجملة بالذات انتظر لك فيها قولاً اباعبدالله

    هذه المقالات تبقى مع مرور الزمن

    ردحذف
    الردود
    1. أسعد الله أوقاتك أباسيف
      إذا تعارض النقل مع العقل فما هي احتمالات أسباب التعارض؟ وأيهما نقدّم؟
      في هذا لا يفتيك إلا ذو علم شرعي من المتخصصين في أصول الفقه، ولهم بحوث مطوّلة وكلام مستفيض.
      ربما يُختصر الكلام للعاميّ بأن (صحيح النقل مقدَّم قطعاً على العقل) لأن من العقول من يقصر عن إدراك مقاصد الشريعة، والعقول لا تدرك في كل الأحوال حكمة المشرِّع سبحانه، فنسلِّم لصحيح النقل تعبداً.
      هذا الكلام يُقال للعامة، أما طلبة العلم والباحثون الأكاديميون؛ فدونهم البحوث الجاهزة ينهلون منها إلى أن يرتوي نهمهم.
      كل التقدير أخي العزيز أبا سيف.. وسأحاول طرح الموضوع من الزاوية التي أحسبك تقصدها.

      حذف
  3. ابو عبدالله بنك معلومات ماشاء الله عليك وكلامك في محله بالنسبة للمهرطقين الجهلة

    جزاك الله خير

    ردحذف
  4. نوَّرت الصفحة يا ماجد
    جزاك الله خير

    ردحذف
  5. السلام عليكم / سررت كثيرا بقراءة هذا المقال وبمروري بمدونتك الرائعة وأعدك بقراءة بقية المقالات المنشورة فيها
    اما عن هذا المقال فهو والله مقال رائع الأسلوب سهل العبارة واضح الاهداف ، نفع الله بك واعانك وسددك ، واصلح لنا ولك النية ورزقنا القبول.

    ردحذف