السبت، 23 مارس 2013

العمل المختلط والتحرش الجنسي في الجيش الأمريكي



مقدمة

بسم الله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا التقرير موثّق ومطبوع عن صحيــفة (The Denver Post) الأمريكية، يعكس حجم مأساة العمل المختلط، فالغريزة عند بني آدم لا تجامل أحدا حتى وإن كانت الإرادة قويَّة ما لم يكن للفتى أو الفتاة عون من الله على نفسه، والبعد عن حمى الرذيلة التي من حام حولها يوشك أن يقع فيها، وما أنا إلا ناقل حرفي لمضمون التقرير إذ ليس لي فيه رأي شخصي، فقد تركت الحقائق والإحصاءات تتحدث عن الحدث.

يستهل التقرير مضمونه بعبارة تقول "وفي كل الأحوال تبقى المرأة هي الضحيَّة"
                                                                                               آمي هيردي & مايلز مافيت

("الخيانة في المنصب – Betrayal In The Ranks) هذا هو العنوان الصاخب الذي أحدث صداً بلغ مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) وتم استدعاء وزير الدفاع للاستجواب واستدعاء قيادات عليا ... ولكن دون جدوى، فالتحرش والاعتداء وامتهان المرأة مستمر..  

وصف التقرير القضية (بالخيانة المنظَّمة) من المؤسسة العسكرية الأمريكية التي كانت تعيق وتثبّط أي ضحية تحاول إثبات الاعتداء بكتابة التقارير أو رفع دعوى ضد المعتدي، فضلا عن خيبة الأمل بسبب نظام المقاضاة الذي يتعامل مع المعتدي بلطف وتروّي على عكس ما يفعل مع الضحية حيث يعاملها قادتها وزملائها بدونيّة وازدراء، فتكون النتيجة أن تعيش المرأة حالة الضيق والكمد بسبب ما تعرضت له من اغتصاب أو ضرب أو نحوهما!.

تقول بعض اللواتي تعرضنَ للاغتصاب لقد تم توجيه اللوم والتوبيخ لنا، بينما تمت معاملة المعتدي باحترام أكثر ومعاملة إنسانية أكبر! ، أما في حال ثبوت الجريمة على المعتدي؛ فتتم تخفيف العقوبة عليه بحجّة تقييم القيادة العسكرية للوضع، وصلاحياتها في تخفيف العقوبة عطفاً على الظروف العامة للجريمة والتي تسمح للقيادة في بعض الأحيان بإسقاط الجريمة عن المجرم.
أما اللواتي لديهن الجرأة والشجاعة في مواصلة التقاضي وطلب تطبيق القانون على من اعتدوا عليهنَّ؛ فإنهن في أحسن الأحوال يعانين من الشعور بالعُزلة والإيحاء بأنهن منبوذات دخيلات على المجتمع الذي يعشن فيه، هذه الظروف جعلت أكثر من 90% من ضحايا التحرّش الجنسي يمتنعن عن الإبلاغ عما جرى لهنّ بحسب المسح الذي قامت به وزارة الدفاع عام 1988م، في حين أن الأرقام المهولة بدأت تظهر على السطح حينما تكشّفت بعض الخبايا في جلسة استماع في مجلس الشيوخ عام 1991م أن حوالي (200.000) مئتي ألف امرأة – ولم تحدد الفترة- تعرضن لاعتداء جنسي أدّى بالكثير منهن إلى نفق حياة يبدأ بحالات اكتئاب مروراً بإدمان المخدرات وانتهاءً بالانتحار، الأمر الذي جعل وزراة الدفاع تهتم بالقضية وتحصي حالات الاعتداء بشكل سنوي، فكانت النتائج بين (1992 إلى 2002) من (676 حالة إلى 1177 حالة) في السنة الواحدة، فضلا عن الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها، وفي القوات البريَّة فقط سجلت الإحصاءات (4801) حالة اعتداء جنسي خلال السنوات بين (1992-2004م) فضلا عن البحرية والجوية والدفاع الجوي وغيرها.

 وفي عام 2003 تناقلت وسائل الإعلام فضيحة الاعتداءات الجنسية المتزايدة في الأكاديمية الجوية، وقام الكونغرس باستجواب قيادة القوات الجوية وتوجيه التهم بعدم التعامل بجدية مع ظاهرة الاعتداء الجنسي المتزايدة .....
يقول النقيب أنيو بيغواتي أنه "بحسب مصادر وزارة الدفاع الامريكية ان 3230 حالة اعتداء جنسي حصلت في الجيش الامريكي لعام 2009 وان 80% من الحالات لم يبلغ عنها ..أي 16150 حالة اعتداء جنسي خلال عام واحد!"

 أسباب التحرّش ومقدماته:

حينما تم توجيه التهم إلى المعتدين كان دفاعهم متشابه إلى حد كبير "كنّا في جلسة عادية كزملاء وكنّا نشرب الكحول، فتطور الأمر إلى التحرش بالألفاظ ثم باللمس وانتهى بالاغتصاب"
وكذلك فإن مآل القضية ينقلب على الضحية وتهديدها بمخالفة قوانين تعاطي الكحول، فتنحرف القضيّة عن مسارها وتنتهي بالتنازل أو سحب الدعوى، أو على الأقل القبول بالحد الأدنى من العقاب الذي يقضي به القائد العسكري أو المحكمة العسكرية؛ فتهون الأمور وتتهيأ للجريمة أسبابها بسبب عدم وجود العقاب الرادع.

"لقد كانت سمعة الجيش مقدَّمة على كل الاعتبارات وعلى الحقوق الشخصية" هكذا يقول الجنرال (ريتشارد سيجفريد) حينما اجتمع بالمحققين (المحلَّفين) على هامش بعض التقارير التي بيَّنت أن حجم الإهانة التي تتعرض لها المرأة من تحرش واعتداء وهضم لحق المرافعة والتصعيد لإيقاع العقوبة على المعتدي واخذ حقوقها، لكن التهديد الذي تواجهه والابتزاز الذي تتعرض له يجعل المرأة هي الضحية قبل الاعتداء وبعده.
تقول لوري ساتون (الطبيبة النفسية في الجيش الأمريكي) "إن العمل في انظمة عمل مترابطة متقاربة تهيّئ بيئة سهلة للوصول للضحية".
أما إذا كان المعتدي رئيس للضحية فعادة ما يقوم بتكليف مرؤوسته بواجب معين يقتضي ان تذهب إلى مكان يريده هو ثم يتعقبها ليتحرش بها ويختبر ممانعتها... وقد يتطاول إلى أبعد من ذلك فيتركها بين نار الفضيحة وجحيم الصمت، وفي أغلب الأحيان يتم استدراج الضحية وإغراقها في أكبر قدر من الممارسات السيئة ليقطعوا عليها طريق العودة للصواب، ولتصبح دمية مسلوبة الإرادة.
وكان من أسباب تمادي الرجل في اعتدائه على المرأة هو تركها بدون حصانة حيث يستطيع المعتدي الوصول إليها جسدياً إذا أراد ذلك في أي مكان من مرافق الوحدة العسكرية التي تجمعهما أسوارها

بعض قصص التحرش والاعتداء.

تقول المجندة شِرون ميكسون : "لقد شاركت في حرب الخليج عام 91م وعشت وسط صفارات الانذار وكنت أمسح الدماء عن زملائي الجرحى، وشاهدت الأطفال يموتون بالقنابل، ولكن ذلك كله لم يكن أكثر تدميراً لحياتي من الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له من أحد زملائي في العمل، إبّان حرب الخليج وقد كنت في الظهران في السعودية حينما غدر بي زملائي الرجال، والخذلان الذي قابلني به رئيسي حينما قال "ماذا تعتقدين أنه سيفعل بك وانتي هنا في بلد مثل السعودية" ولسان حاله يقول إنما أنتن مجندات لقضاء حاجات الرجال منكنَّ!، وتقول "لا زلت أعيش حالة نفسية سيئة بسبب ذلك الموقف"
لقد اضطر الكثير منهنّ لتعاطي المخدرات، أو الاسراف في الشراب (الخمر) للهروب من الواقع المؤلم، وتستمر المعاناة لسنوات من القلق والاضطراب النفسي.
تقول المحقق في جرائم البحرية – نيلسون "لا أستطيع أن أتذكر كم عدد المرات التي قالت لي فيها تلك الفتاة أنها كانت تنظر إلى أولئك الذين اعتدوا عليها وقاموا باغتصابها.. أنها كانت من قبل تنظر إليهم وكأنهم إخوة لها "
كثيرة هي القصص التي تتشابه والتي مؤداها واحد ولا حاجة لتكرارها لكن بعضها يتجاوز الاستجابة للغريزة الجنسية إلى امتهان المرأة وازدرائها كما حدث للسيدة (ماريان هود) حيث دخل عليها بعض زملائها الذكور في غرفتها واغتصبوها بعد ضربها ضرب عنيفاً تسبب في بعض الكسور، ثم تبولوا عليها وتركوها تنزف ..

تهديد الضحيَّة:

تقول المحامية سوزن بهورك "الشيء الذي نسمعه بشكل متكرر من أولئك المغتصبات والذي قد يماثل سوء الاغتصاب هو انهن يتلقين انتقام باحترافية كالتهديد بتعيين في مكان أسوأ أو إنزال الرتبة إلى مستوى أدنى ..." وقد اجمع الكثير من المجندات أن التهديد يكون من القادة المباشربن بأن من تذهب وتتابع قضيتها قد تفقد وظيفتها أو رتبتها أو مكانها الوظيفي، وفي أحسن الأحوال يتم تجاهل شكواها، وعدم أخذها على محمل الجد.
تقول المجندة (تاندي فينك) وهي تكفكف دموعها " تقدمت للقائد بشكوى مرتين؛ فقال لي ليس في يده شيء ليفعله من أجلي إذا كنت لا أملك دليل"! وتقول (تايا كريستوفر) المجندة في البحرية" حينما تقدمت بالشكوى للقائد المباشر؛ قال لي: أتمزحين! أتلعبين؟! أنتي ثالث حالة اغتصاب وصلتني هذا الاسبوع!"تقول إحدى المجندات "أحتاج أن أحمل السكين معي في كل مكان لحماية نفسي"
تقول (هيلين بندكت) مؤلفة كتاب (the lonely soldier) "أن 40% من اللواتي خدمن عسكرياً تعرضن للاغتصاب"
وتفيد الأبحاث أن معدلات (اضطراب ما بعد الصدمة) عند المغتصبات أعلى منه عند الجنود الذين خاضوا معارك.

خاتمة بقلم المُدوِّن:

هذا غيض من فيض عن قضايا التحرش والاعتداء الجنسي في أماكن العمل المختلط، ولو استعرضنا التقارير التي تتحدث عن التحرش بين طلاب وطالبات الثانوية والجامعة وغيرها..لتضاعفت الأرقام بسبب عدم وجود نظام صارم كحال المجتمع العسكري، وكذلك فإن الفئات العمرية تكون أصغر وبالتالي فإن النضج الفكري يكون أقل.
والسعيد من اتعظ بغيره.