الأحد، 30 سبتمبر 2012

أرخصوها أنتم..ولا تشتكوا الغلاء.


تُعد المقاطعة التزام أدبي وأخلاقي تجاه أفراد المجتمع، وهي أحد مظاهر قوة الإرادة، وكبح جماح النفس ورغباتها وهي إحدى صور التضامن الاجتماعي، ذلك أنها طريقة للامتناع عن الشيء مع القدرة على تحصيله، أو منع الشيء مع القدرة على إنفاذه نكاية بالطرف الآخر.

       وللتاريخ القديم والحديث شواهد كثيرة منها مقولة الفاروق رضي الله عنه (أرخصوها أنتم) حينما ارتفع سعر إحدى المواد الغذائية في عهده، ومنها فعل (ثمامة بن آثال) حينما منع حنطة اليمامة عن كفّار قريش بعد إسلامه؛ حتى ألجأهم للتوسل بالرحم عند النبي صلى الله عليه وسلم. أما شواهد التاريخ الحديث فهي أكثر من أن تُحصى، ولعل أبرزها قيادة "المهاتما غاندي" للمستضعفين (الهنود) ضد الأباطرة البريطانيين المحتلين، والعرب ضد إسرائيل عام (1922)م وعام (1945)م ومقاطعة العرب للغرب في حرب (1973)م، والشواهد كثيرة جداً على صور المقاطعة التي أناخت غطرسة القوي وانتصرت للضعيف.

       وعلى المستوى المحلي، كلنا يذكر بعض التصاريح (لبعض) شركات الألبان التي ألمحت إلى رفع أسعار منتجاتها، فبادرت شريحة كبيرة من المجتمع بمقاطعة تلك الشركة (المراعي) حتى أثنتها عن عزمها السوء، مع أن ذات الشركة (المراعي) تحايلت على المواطن، وقادت حملة رفع أسعار الدواجن حتى بلغ سعر دواجن (اليوم) التابعة لشركة المراعي (15) خمسة عشر ريالا بعد أن كانت لا تتجاوز (11) أحد عشر ريال.

       نحن المواطنون لا حول لنا ولا قوة في ظلام غياب الرقيب وسيطرة مافيا رأس المال، وغياب منظمات المجتمع المدني التي ترفع صوت المواطن المستضعف ضد جشع التجار الذي لا ينتهي.

ولهذا وذاك.. لابد من وجود وسيلة لتجمع شتات رأينا، وتقول للتاجر "حسبك" فقد أوغلت في الفحش ونكران الجميل لوطنك ومواطنيك، وآن لك أيها الجَشِع إما أن تثوب إلى رشدك، وتستحضر واقع الشريحة الكبرى من مستضعفي المجتمع، وإما المقاطعة.

أما الطريقة لإجماع رأينا ووحدة رأينا فهي من خلال متابعة منتدى مقاطعة ومعرّفات المقاطعة في تويتر والتي أذكر منها المعرّف (المستهلك - مقاطعة - أرخصوها أنتم - @cheaper4ksa   )

عزيزي المستهلك ..

إذا كنت ذا رأيٍ.. فكن ذا عزيمةٍ

فمن آفـة أهــل الــرأي أن تترددا

الأحد، 2 سبتمبر 2012

غيبوبة الفِكر داخل سرداب الثقافة


تعد الثقافة مصطلح مُحدث في لغتنا العربية بمفهومها الاصطلاحي المتعارف عليه اليوم، لأن أصل كلمة (ثَقَفَ) تٌشير في اللغة إلى معنيين أحدهما حسِّيّ ماديّ كتسوية السيوف والرماح ومنها الظفر بالشيء، والآخر معنويّ متعلق بالقدرات الذهنية كالفطنة والذكاء ونحوهما، ونحن هنا حينما نقول أن المصطلح مُحدث أي جديد فإننا نعني بذلك أنه غير مألوف ولا معروف بمفهومه الحالي عند العصور المتقدمة التي برعت في اللغة العربية كالعصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام وقرونه الأولى والوسطى، لذا أوجَدَتْ بعض المجامع اللغوية تعريفاً اصطلاحياً للثقافة بأنها (جملة المعارف والعلوم والفنون التي يُطلب الحذق بها)، لكن هذا التعريف لا يشمل سلوك المجتمع الناتج عن سلوك أفراده، وكما هو معلوم في علم النفس أن السلوك هو ترجمة ملحوظة للقناعات، أي أن وراء كل سلوك قناعات معيَّنة تثير الدوافع الداخلية لدى الفرد لينتج عنها هذا السلوك. وهذا هو السبب الذي يترجم التباين في سلوك الأقاليم والمجتمعات عن بعضها البعض، لكن القاسم المشترك هو أن النُخّب المثقَّفة هي القائد والموجِّه للفكر الثقافي، وهذه النتيجة تقودنا إلى طرح التساؤل التالي:

ما هو حال واقع ثقافتنا ومثقفينا هذه الأيام؟

وقبل أن يبادرك الذهن ويستحضر واقع ثقافتنا ويهيم في خواطر لا تنتهي، يجب أن لا نُغفِل الوجه الآخر للصورة، أو الجزء الآخر من الكأس، ففي المجتمع قامات شامخة وهامات رائدة في فضاء الثقافة نفخر ونعتز بها حتى وإن قَصُرَت دونهم سُبُل الإعلام الرسمي، وحنفت وجنفت وألحدت إلى بعض المغمورين والمتثيقفين الذين يمثلون توجُّه فكري يداني ويقارب ويترجم بعض الرؤى التي تريد أن يكون للثقافة السعودية وجه واحد واتجاه محدد بصرف النظر عن الضوابط الشرعية أو العُرفية، وبما أن ميدان الثقافة اليوم فيه الضج والثج وكذلك العج مجازاً، وأمسى الانتساب للمثقفين مثلبة بدل أن كان منقبة، فقد آن الأوان لأن يستفيق المجتمع وينهض روّاد الثقافة الأصيلة الذين تم إقصاؤهم بأي شكل كان، وأن يضعوا مسار ثقافة المجتمع التي تحفظ له موروثه المحمود من صفات وعادات في مسارها الصحيح، وأن يُعيدوا للثقافة مكانتها المرموقة وسموِّها عن التبذُّل والإقصاء والاختزال الذي شهدته الساحة الثقافية في المرحلة القريبة الماضية. ليس هذا فحسب، بل يجب أن يتلَّمس المثقف واقع مجتمعه ويناقش قضاياه ويدرس ويستقصي مظاهر السلوك السلبي، ويقدم الأفكار الإيجابية البنّاءة بتواصله مع منظمات المجتمع الحكومية والمدنية، وتصحيح صورة المثقف بدلا عن الصورة السائدة المختزلة فيمن يعتكف في غرفة ليكتب قصة أو رواية رومنسية أو خيالية ... تحت ظل شمعة، فضلاً عن وصفه بالمفكر الكبير في حين لم ينقل عنه المجتمع فكرة أو رسالة أو رؤيا جديدة.