الأحد، 26 أغسطس 2012

خلط الأغبياء .. بين الخاطئين والأصفياء


الحمد لله القائل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) والصلاة والسلام على نبيه القائل: (إنما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم)، سأحاول جهدي (القاصر) الإجابة على التساؤلات التالية:
كيف تحوَّل المُنشد إلى مغنٍّ؟
كيف تحوَّل المتديِّن إلى تغريبي، والتغريبي إلى متديِّن؟
كيف يكون تعارض أو توافق الفروق الفردية مع الفروق الفئوية؟
لم يكن الناس في العصور الحجرية متحجريّ العقول، لا يفقهون ولا يُعملون عقولهم فيما فيه تسخير للمعطيات المتاحة في سبيل تيسير أمور حياتهم، فقد كان الإنسان مُذ خُلق يفكر ويوظف عقله في أشياء كثيرة، منها تفسير الظواهر المحيطة به، ولذا يقول علماء النفس أن أول علم تعلَّمه الإنسان هو علم الفلك، كأبعد ما يكون عن ذات الإنسان ثم تعلم علوم الجغرافيا والجيولوجيا.. إلى أن انتهت به رحلة العلم في اكتشاف علم النفس، وبالتالي فهو أقدر على التفكير في الشيء البعيد ومعرفة كنهه أكثر من التفكير في ذاته ومعرفة نفسه.

هذه المقدمة تفسر لنا واقع الناس اليوم، حينما تجد بعض الأشخاص وقد تصدر مقاماً ليصنّف الناس تصنيفاً أعمى غير مؤسس لا على أصول شرعية ولا قواعد فقهية ولا معارف علمية حديثة معاصرة.. ولن أستغرق في وصف حال تلك الشريحة.. لكنني سأنتقل إلى ماهو أهم، وهو التنبيه إلى ما ينبغي أخذه بالاعتبار عند تقييم الأشخاص وتصنيف الناس.

ينبغي لمن تصدر إطلاق الأحكام على الناس أن يتذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام في سورة الكهف التي نتعبد الله بتلاوتها كل جمعة، فقد كان موسى عليه السلام مندهشا من تصرفات الخضر التي ظاهرها الإفساد والنكير، حينما لم يدرك أبعاد تلك التصرفات ولا مغزاها، وقد أنكر موسى عليه السلام تلك التصرفات مع علمه أن الخضر عليه السلام أعلم منه، وقد تبع الخضر بعلم الله ليتعلم مما علمه الله رشدا (إقرأ أواخر سورة الكهف).

 فلا تستعجل في إطلاق الأحكام.. فقد يكون للأمور غايات لم يدركها علمك، هذا على مستوى التصيف الفردي، أما التصنيف الفئوي الذي يذهب صاحبه إلى تصنيف الناس إلى متدينين أو ملتحين وحليقين، ويقسِّم الحليقين إلى حليقيّ اللحى دون الشوارب وحليقي اللحى والشوارب، ثم يطلق الأحكام على كل فئة، مابين متكسبين مرتزقة، ومنحرفين تغريبيين، وأهل عادات وتقاليد...إلى آخر جذور تلك الفلسفة المتعمقة في تربة الجهل، نقول لهم، تذكروا قبل كل شيء.. أن الصفات مقسومة بين الناس بنسب متفاوتة، يُفطر البعض على بعضها، ويكتسب البعض بعضها، فهي صفات فطرية ومكتسبة، فقد يكون الشخص كثير الحساسية كثير الشك منذ طفولته أو بخيلا محب للمال أو كريما أو غيرها من الصفات، ولا تنفك عنه هذه الصفة حتى مع كبره، وتمر حياته بأطوار مختلفة من التزام المساجد وحلقات التحفيظ ثم الجامعة وما بعد الجامعة وقد يغترب للدراسة في الخارج، وتبقى الصفة لازمة له، تزيد أعراضها أحياناً وتنخفض مظاهرها أحياناً أخرى، متأثرة بالمجتمع والبيئة التي تعيش فيها، لكن هذا التأثير نسبيّ غير كامل، وربما تتذكر شخصا كان حليقاً ثم تدين وأطلق لحيته تم انتكس وحلق لحيته لكن صفةً ما ظلت لازمة له في جميع مراحل حياته، (الخجل أو الجرأة، الكرم أو البخل، الخوف أو الشجاعة، التلقائية أو حب الظهور...إلخ) وهذا هو سبب تفاوت الناس في تصرفاتهم، فالصفات الفردية سابقة لانتماء الشخص الفئوي.

إلا أن أحد أهم أطوار الحياة التي ينبغي أن تؤثر في سلوك الإنسان على نحو إيجابي، هو دخوله تحت فئة الشريحة (الملتزمة) لأن الدين قويم والمشرِّع جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويفترض فيمن خالج الدين شغاف قلبه أن يستقيم سلوكه بسبب الترغيب والترهيب الذَين يكون معدل وجودهما عند الشخص المتدين أكثر من غيره، إلا أن الإيمان يتفاوت من شخص إلى آخر فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والناس ليسوا على قلب رجل واحد؛ ولهذا من الطبيعي أن يتفاوتوا في صفاتهم الفردية.

إذن فالناس يتفاوتون في صفاتهم الفردية قبل أن نصنفهم إلى فئات .. فالصفة لازمة للشخص الموصوف سواء كان غربياً أو شرقياً .. ملتحياً أو حليقاً .. مع تغيِّر نسبيّ على هذه الصفة، وهذا التغير طارئ بسبب ما يمر به الإنسان من ظروف محيطة ودرجة إيمان القلب .. وعلى هذا لا ينبغى تصنيف الناس تصنيفاً فئوياً بناء على سلوكهم، فمصدر السلوك هي صفات شخصية فردية متعلقة بذات الشخص قبل أن ينتمي هذا الشخص إلى أي فئة معينة، فلا عجب من تحوِّل (منشد إلى مغنٍّ) أو (داعية كان يُحرق محلات بيع أشرطة الغناء تحوَّل إلى ليبرالي تغريبي مناهظ إلى كل ماهو إسلامي) فربما لم يجد في الفئة الأولى ما يجعله محط أنظار الناس ووجد ذلك في الثانية، لم يجد ما يشبع حب الظهور في الأولى ووجد ذلك في الثانية أو العكس...

ولعلي في الختام ألفت إلى أن الإنسان بطبعه خطّاء، ولم يجعل الله في الإسلام رهبانية حتى يُنظر للملتحين على أنهم ليسوا كعامة الناس، ولا ينبغى لهم الخطأ والنسيان، فقد رفع الله الحرج عن أمته في الخطأ والنسيان.. ولولا فضل الصحابة رضوان الله عليهم لاستعرضنا بعض أخطاء بعضهم التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثرّب عليهم، إنما دلهم على مكفرات الذنوب.. فسبحان الله كيف تعجب ممن يريد من الملتحين أن يصبحوا ملائكة؟!