الاثنين، 9 ديسمبر 2013

إيران من عدو إلى حليف [لأمريكا] "واشنطن بوست"


صحيفة نيويورك تايمز / تحليل بعنوان: "إيران، من عدو إلى حليف" / ديفيد باتريكاراكوس:  أحدث الإتفاق النووي مع إيران إنفعالا متوقعا في أوساط الصقور في الشرق الأوسط، لكنه يتيح فرصة لإحداث تقدم أوسع نطاقا يتمثل في التقارب مع إيران، بل وإقامة تعاون استراتيجي معها في خاتمة المطاف.  التحالفات الدولية تتحول وتتغير وتشهد العلاقات جمودا ودفئا.  على مدى 30 عاما ظلت العلاقات الأمريكية الإيرانية تدور في حلقة من الشكوك وعدم الثقة، وهو أمر يلحق الضرر بالدولتين.

على أمريكا أن تفكر الآن في إعادة تنسيق سياستها تجاه الشرق الأوسط بصورة تدريجية بحيث يكون من ضمن أهدافها إعادة دمج إيران في الحظيرة الدولية وتحويل ذلك العدو إلى حليف بمرور الوقت.  سوف لن يكون الأمر سهلا، لكن على المدى البعيد فسوف يعود بالنفع على الشعب الأمريكي والإسرائيلي والإيراني.

هناك العديد من المنافع التي ستتحقق.  يمكن لإيران، التي تقع بين بحر قزوين والخليج العربي، أن تمنع وصول الصين إلى موارد الطاقة الهامة، في ذات الوقت الذي تعمل فيه كحائط صد ضد روسيا المشاكسة دوما.  تؤثر إيران في الأحداث في لبنان من خلال علاقاتها مع حزب الله، وفي إسرائيل والمناطق الفلسطينية من خلال علاقاتها بحماس.  كذلك سوف لن يكون هناك حل للحرب الأهلية في سوريا بدون إيران.

حاليا تعارض إيران أمريكا في كل هذه النزاعات، ويعود ذلك بدرجة كبيرة لعدائها التاريخي لواشنطن، وليس لعدائها الأيديولوجي فحسب.  تستخدم إيران حزب الله لدعم مصالحها الإقليمية وتتصدى لإسرائيل بغية حشد الدعم الشعبي العربي وليس نتيجة لالتزام حقيقي بالقضية.  بالرغم من دعمها للرئيس السوري بشار الأسد بصدق إلا أن سلوك إيران فيما مضى يشير إلى احتمال رغبتها في التسوية.

في عام 2003 وفي ظل خشيتها من عمل عسكري أمريكي فقد أجرت إيران اتصالات عبر سويسرا مع المسئولين الأمريكيين حيث عرضت طرح كل قضية للنقاش، بما في ذلك دعمها لحماس وحزب الله.  أثار ذلك العرض جدلا، وقد رفضته واشنطن في خاتمة المطاف، لكنه أوضح رغبة إيران في استخدام دعمها للمتشددين كورقة مساومة.  لدى أمريكا وإيران العديد من المصالح المتقاطعة.  بسبب بغضهما لطالبان فقد تعاونت الدولتان في عام 2001 بشأن أفغانستان.  حاليا، وفي ظل معارضتهما للقاعدة، فيمكن أن تساعد إيران بتوفير المعلومات الإستخبارية وبمعرفتها للمنطقة.

سوف تستفيد إيران من حدوث أي دفء في العلاقة مع أمريكا.  لقد عانت في حربها مع العراق ومن العقوبات الحالية، وهي بحاجة لاستثمارات في القطاعين النفطي والمالي وكذلك للخبرة الأجنبية لتنمية اقتصادها، لكن تلك أمورا غير ممكنة دون إصلاح علاقتها مع أمريكا.  من السهل أن تنسى الدولتان أنهما كانتا حليفتين ذات يوم.  في حقبة السبعينات شكلت إيران والسعودية دعامتين لاستراتيجية الرئيس ريتشارد نيكسون الرامية للتصدي للنفوذ السوفيتي في المنطقة.  يأتي جانب من عدم تمتع أمريكا بشعبية في إيران من دعمها للشاه البغيض قبل الإطاحة به في ثورة 1979.  لكن إعادة التوافق في العلاقة، بناء على التلاقي الجديد في المصالح، ستكون مسألة مختلفة.

بالنسبة لأمريكا ستكون إقامة شراكة مع أحد أعضاء "محور الشر" أمرا صعبا للغاية.  سوف يتملك الرعب السعودية، لكن اعتراضها لا يهم هذه الأيام مثل ما كان يهم في السابق.  لقد بنت أمريكا علاقاتها مع السعودية على أساس الحاجة للنفط، وهي حاجة لم تعد قائمة بذات القدر.  إنها علاقة مصطنعة وعفا عليها الزمن.

لقد جعلت تقنية استخراج النفط من خلال ضخ الماء في جوف الأرض من أمريكا أكبر منتج للمواد الهايدروكربونية وأكبر مصدر للنفط من خارج أوبك، كما أن إنتاج كندا ودول في أمريكا الجنوبية وأفريقيا من النفط آخذ في الإزدياد.  ما تزال السعودية تؤثر في أسواق النفط، لكن ليس بوسعها بعد الآن إحداث هزة في الإقتصاد العالمي مثل ما فعلت إبان الحظر النفطي عام 1973.  بخلاف إيران فإن لدى السعودية القليل الذي يمكن أن تعرضه بخلاف النفط، وليس لديها تقليد ديمقراطي، كما أن تمويلها للإسلام الوهابي قد ألحق ضررا بالغا بالمصالح الأمريكية حول العالم.

إسرائيل، شأنها في ذلك شأن السعودية، تعارض بشدة الإتفاق النووي، لكن ذلك ينم عن نظرة قاصرة، فالإنفراج بين إيران وأمريكا يمكن أن يفيد إسرائيل على المدى البعيد.  الدولة اليهودية وإيران الفارسية الشيعية دخيلتان على الشرق الأوسط الذي يغلب عليه العرب السنة.  لقد كانتا حليفتين قبل عام 1979.  برغم دعم إيران لحزب الله وحماس فإن جيشها لم يشارك مطلقا في الحروب الكثيرة التي شنها العرب ضد إسرائيل.

حتى بعد الإطاحة بالشاه وبعد أزمة الرهائن دعمت إسرائيل الجمهورية الإسلامية داخل واشنطن.  في سعيها للإبقاء على صداقتها مع إيران في وجود العديد من الدول العربية المعادية ساعدت إسرائيل إيران في حربها ضد العراق.  بغض النظر عن معاهدات السلام التي جرى التوقيع عليها مع القادة العرب فقد أثبتت إيران أن بإمكانها التنسيق مع إسرائيل.  علاوة على ذلك لا يمكن احتواء إيران للأبد، ومن الأفضل كثيرا بالنسبة للدولتين أن تتصالحا استنادا على المصالح المشتركة.

ما تزال إيران تنتهك حقوق الإنسان وترعى الإرهاب، لكن 30 عاما من العقوبات والصمت لم يغيرا من سلوكها.  على النقيض من ذلك فإن التواصل يقوي شوكة المعتدلين في إيران.  كانت أول خطوة اتخذها روحاني هي الإفراج عن السجناء السياسيين، وقد ألمح إلى إمكانية تقديم مزيد من التنازلات في حال تحسن العلاقات مع أمريكا.  الشعب الإيراني هو أكبر مكسب للغرب.  خلال الحرب الباردة ظلت الحكومات الشيوعية تكن العداء للغرب، لكن مواطنيها الذين يتوقون للحريات الغربية ساهموا في سقوط تلك الأنظمة.

الإيرانيون يتوقون للحرية أيضا.  لدى إيران تقليد راسخ من التمسك بالمبادئ الدستورية يعود إلى أكثر من 100 عام، ومواطنوها يبدون ميلا للديمقراطية على النمط الأمريكي ويدركون أن مستوى حياتهم سيتحسن كثيرا من خلال الإنفراج مع الغرب، وهذا هو ما دفعهم للتصويت بأعداد كبيرة لصالح روحاني مطلع هذا العام، ولصالح مير حسين موسوي قبل 4 أعوام.

سوف لن يحدث الإنفراج بين عشية وضحاها، فالكثير من أعضاء المؤسسة الدينية في إيران يكنون عداءً فطريا لأمريكا، كما أن اليمين الأمريكي يظل معاديا لأي تقارب مع إيران.  لكن أوباما وروحاني أثبتا أن بإمكانهما تخطي هؤلاء المتشددين وإبرام اتفاق.  الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين يعتبر منطقة جديدة وخطيرة.  لقيادة المنطقة صوب مستقبل أفضل يتعين على واشنطن التكيف وترك العداءات القديمة وراء ظهرها.  (ع.ع.).
تحليل بعنوان: "إيران، من عدو إلى حليف" /
ديفيد باتريكاراكوس
صحيفة نيويورك تايمز /