الخميس، 19 أبريل 2012

إقرأ الأحداث بفكرك أنت..ولا تسلِّم عقلك.


سنعرض في السطور التالية إلى شخصيتين معروفتين، أحدهما معروفة شكلاً دون مضمون والأخرى شكلاً ومضمون، ثم نقارن ونستنتج المفارقات عند المتلقِّي في الشارع السعودي .

الشخصية الأولى: هو المناضل الأرجنتيني المولد، الكوبي الشهرة، الماركسي (الشيوعي) الفكر؛الطبيب التخصص، زعيم حرب العصابات الثائر (أرنستو تشي غيفارا)، الذي كان قوميّ التعصب لقارته اللاتينية، لا يعترف بالحدود السياسية، انطلق من الأرجنتين ليطوف حول القارّة اللاتينية مستشعراً انتماءه إلى كل شبر فيها، حتى وصل المكسيك، وهناك التقى ببعض الثوار الكوبيين الذين ينشدون تحرير وطنهم من دَرَنْ الامبريالية الأمريكية الشمالية وعملائها، فتوافق هاجس غيفارا بهاجس كاسترو (كما وافق شنٌّ طبقه) وأصبح غيفارا الرجل الثاني في الثورة بعد كاسترو وتم تحرير كوبا من عملاء أمريكا. لكن أنفاس هذا الثائر لا تعيش إلا بدخان الثورات، لذا انطلق من كوبا ليساند الثورات في بقية دول وطنه اللاتيني الكبير في الكونغو ثم بوليفيا إلى تم القبض عليه من قِبل وكالة الاستخبارات الأمريكية بمساعدة القوات البوليفية وتم إعدامه.

الشخصية الثانية: هو خطَّاب العِزَّة والكرامة والشجاعة... إنه خطَّاب الجنَّة، هو (سامر بن صالح السويلم)، المشهور باسم (خطَّاب)، نسأل الله أن يجعله في الفردوس الأعلى من الجنَّة ويجمعنا به برحمته وكرمه وأن يعفوا عنّا خذلاننا للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، ومن المصادفات الغريبة أن خطّاب قد درس الابتدائية في مدرسة (عمر بن الخطَّاب)، كان خطَّاب مسلماً لا يعترف بالحدود السياسية، يعيش هم إخوانه في كل مكان، لذا حمل سلاحه مجاهداً عام 1988م، وبدأ في أفغانستان، ثم طاجكستان، وداغستان إلى أن تم اغتياله مسموماً في الشيشان من قبل أحد عملاء الشيطان، وأعتَذِرُ عن هذا العرض الموجز لسيرة الأسطورة (خطَّاب) لغاية وحدة موضوع المقال الذي نحن بصدده.

انتهينا الآن من التعريف للسيرة الموجزة لهذين العَلَمين، فتعالوا نرصد ثقافة المجتمع، وتعامله مع أعلام التاريخ.

يُبدع شباب العشرينات الذين يترددون على محلات زينة السيارات في تزيين سياراتهم بالملصقات المختلفة والتي تلبي رغباتهم، فالتاجر يؤمن أولاً بالعرض والطلب؛ ليوفِّر للمستهلك رغباته، لذا تجد ملصقات الأندية الرياضية؛ لأن الشباب يحب الرياضة، وملصقات الأدعية والأحاديث؛ فالمجتمع بفطرته متديِّن، كذلك يوجد بعض التقليعات الغير مألوفة ولكل منها سبب معيَّن.

 فما سبب وجود مُلصق "تشي غيفارا" بكثرة على سيارات بعض الشباب الذين ربما لا يعلم بعضهم حتى عن اسم صاحب الصورة؟

ولماذا لم نسمع لصرير الأقلام، وأصوات التربويين والراصدين لنبض المجتمع تعليقات على هذا الفعل؟

وماذا لو أننا لم نعرف (غيفارا) واستخدم الشباب صورة (خطَّاب) بدلاً عنه في ملصقات سياراتهم؟

قد تتفاوت الإجابات عن هذه الأسئلة بتفاوت منطلقاتها، فالتحليل الفلسفي يختلف عن التحليل باعتبار المؤامرة وأن لكل سلوك دوافع وغاية. وقد يقول البعض لا يوجد سبب ولا غاية إنما محض الصدفة!، وهذا قد يصدق في جانب الشاب صاحب الملصق، لكن قد لا يصدُق في جانب من اختار شخصية غيفارا ليتم تصميمها كملصق، وحتى لا أطيل المقال وإن كان في النفس شيء يطول تنفيسه لكنني أختصر بالاستنتاجات والافتراضات التالية على شكل نقاط:

-    ربما يوجد من يحاول أن يُذكي في الشباب السعودي روح الثورة من خلال إثارة فضوله لقراءة سيرة "أرنستو تشي غيفارا".

-    أتصور لو كانت صورة (خطَّاب) بدلا عن (غيفارا) لخرج لنا من يقول أنها حركة (إخونجية، أو سلفية، أو تكفيرية، أو...إلخ) للتغرير بعقول الشباب المراهقين، من خلال تصوير الإرهابي (الشاب المجاهد) كصورة نموذجية.

-    لو كانت الصورة لخطَّاب لظهر لك من يقول أن هذا تقديس للأشخاص وهو محرّم شرعاً، (لكن لا بأس أن تكون الصورة لملك أو لاعب كرة، أو أي شخصية غير اسلامية أو جهادية).

الفائدة من هذا المقال:

أننا نَمُرُّ بوقائع وأحداث قد لا تثير فينا مزيد اهتمام، في ذات الوقت قد تكون مادة خصبة للتحليل والتأويل، وكلاً يستطيع أن يوظفها في صالحه وضد خصمه سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ويمكن تضخيمها إلى درجة المؤامرة ويمكن تجاوزها كفعل تلقائي ليس وراءه أسباب ولا غاية!

لذا حاول أن تقرأ الأحداث أنت.. بفكرك أنت.. قبل أن تتعرض إلى أدلجة فكرية من خلال وسائل الإعلام الموجَّه.

هناك 9 تعليقات:

  1. الاستاذ الرائع بدر وفقه الله

    تحليل رائع لتلك الشخصيات التي فعلاً تعتبر تاريخيه

    واستنتاج كبير لما ذكرته لنا وفقك الله...

    فعلاً ... أننا نمر بمرحلة التضخيم لدرجة المؤامرة
    وقد تكون برداً وسلاماً اذا سمحنا لها تمر بسلام

    سؤال عابر تذكرته اخي ابو عبدالله...
    من بنظرك من لديه فكرة التشهير بغيفارا ..

    ولديه تلك النظرة البعيده باحياء فكر الثورات هنا..

    شكرا لقلمك الراقي والرائع

    ردحذف
    الردود
    1. حياك الله يا رائد (موقع التفكير الإيجابي)
      أستطيع الإجابة على السؤال العابر من منطلقات مختلفة، وليس بالضرورة أن تكون إجاباتي صحيحة، المنطلق الفلسفي يطول اسقصاء مدخلاته، ولا أحب أن أدخل من مدخل نظرية المؤامرة، لأننا كمجتمع مسلم تعرضنا لإسقاطات كثيرة بسبب الحديث عن المؤامرة، ولإن بقي في العمر بقية؛ فسأتحدث عن مفردة المؤامرة وأبعادها.
      وبما أنك أبا خالد مدير لموقع التفكير الإيجابي، فإن مثل هذا الموضوع سيكون مادة خصبة للعصف الذهني وإثارة الكامن في أذهان روّاد الموقع، وأتوقع أن نجد أفكار خلّاقة وآراء غير مألوفة لو تم طرح الموضوع للعصف الذهني.
      تقبل تقديري
      وشاكر مرورك

      حذف
  2. حقيقة قراءات المقال
    وجدت رسم بانورامي
    صوره مقابل صورة
    حدث هنا وافرازات هناك
    تضخيم هنا واستبعاد هناك
    متناقضات مجتمعية مؤسسية
    طرح عميق يثير التساؤلات قبل النهايات
    جميل جداً ابهرني المضمون كجزئية ولم اتفاجأ به هنا..

    ردحذف
    الردود
    1. أبوسيف الدين، أنت طالب دراسات عليا ومتخصص في الفلسفة، وهو علم لا يتقنه الكثير، لذا فالصبغة الفلسفية واضحة في إطراؤك المشكور، أمَّا أخوك فهو محب للإشارات الخضراء لكن طبيعة المقال أحياناً تقتضي المنحى الفلسفي.
      كل الشكر على مرورك ووصفك وإطراءك.

      حذف
  3. لله درك يابو عبدالله..
    مثل هذا المقــــال , يـــدرس لاجيــــــــال.
    مقـــال هو مثابة مــــــادة تربويــــة, اقترح على الاخوان التربويون اخذ مثل هذه المواضيع في الاعتبار لتوعية وتنشـــئة اجيـــال لديها خلفيـة ثقافية تعي مايدور حولهــا, لا أريد ان استرسل فاخرج عن صلب الموضوع ,

    رداً على ابو خالد اعتقد ان انتشار صور قيفارا ولا ازيد على ماقال اخي الفاضل ابو عبدالله هي مسألة عرض وطلب وتسويق من اصحاب المحلات بدايتها ربما صدفة
    وكما هو معروف ان عنفوان الشباب يحب الرجال الابطال والثوريين بشكل عام
    (( لم تنتشر صورة المجاهد الشهيد خطاب )) والا كانت مادة دسمة للاعلام السياسي

    ردحذف
  4. اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
    وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
    نســــأل الله ان يصلح حالنا وبلادنا
    وجميع احوال المسلمين وبلادهـــــــم .

    ردحذف
    الردود
    1. الأخ العزيز بندر
      جزاك الله خير على مرورك وإضافتك
      وأسأل الله أن يستجيب دعاءك

      حذف
  5. مبدع يا اباعبدالله مقال في الصميم وياليت قومي يعلمون اختيار موفق

    ردحذف
  6. شَرفت بمرورك أبا ناصر
    وعذرا على التأخر في الرد، لعدم متابعتي للمدونة بشكل مستمر.
    ثناءَ محل اعتزاز
    جزاك الله خير

    ردحذف